الشيخ المجاهد علي بن خليفة النّفاتي… سيرة مُغيبة
يعتبر علي بن خليفة التفاتي من أوائل المجاهدين الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي عند انتصاب الحماية حيث تجمعت حوله أهم القبائل والعروش بالجنوب الشرقي والغربي وقد كانت له مواجهات شجاعة وعنيفة مع القوات الفرنسية الغازية.
- علي بن خليفة بن راشد النفاتي من عرش قبيلة نفات السليمية المنتشرة في ولايتي صفاقس وقابس : ولد سنة 1807 – توفي في 18 نوفمبر 1885 (78 سنة).
- لم يتردد النفاتي في خلع بيعته لمحمد الصادق باي بمجرد توقيع هذا الأخير على معاهدة الحماية الفرنسية في 12 ماي 1881، وأطلق مقولته الشهيرة على الملإ في مقرّ قيادته بمدينة قابس: “الآن أصبحت طاعة الباي كفرًا” والتي كانت إيذانا بانطلاق الثورة ضد الغزاة الفرنسيين والباي وأعوانه معا.
- لقد بدأت أولى خطوات ثورة علي بن خليفة بمرحلة الإعداد لها حيث بادر إلى جمع المجاهدين من مختلف القبائل وتنظيمهم في إطار موحّد وهو ما لم يكن سهلا حيث كانت النزاعات القبلية هي الطاغية، كما كانت محاولات الصادق الباي جارية بإيعاز من سلطات الحماية الفرنسية لاستقطاب زعماء القبائل إلى جانبه بذريعة أن مصلحة البلاد كانت تقتضي التوقيع على معاهدة الإحتلال.
- بادر الشيخ علي بن خليفة بتسليح كل من يقدر على حمل السلاح من أبناء قبيلته «نفات» وإعدادهم لخوض غمار الحرب، وانطلق في حرب عصابات لمواجهة الفرنسيين، فقد مرّ الشيخ بمدينة صفاقس يوم 15 جوان 1881، وبعد عشرة أيام فقط اعترض طريق فيلق عسكري من الحامية التونسية وأباده بعد معركة قصيرة بأرض «المهاذبة» جنوب صفاقس وهو في طريقه إلى مقر قيادته في «دار الفريك» في قابس. كما استطاع الشيخ علي اثر هذه المعركة توسيع قواته لتشمل فرسانا من قبائل أخرى.
- وفي 2 جويلية 1881 تحرّك الشيخ النفاتي بجيش متواضع التجهيز لنجدة مدينة صفاقس الثائرة حيث أمسى قادة مقاومتها يعترفون بإمارته لشعورهم بسيطرته المطلقة على القبائل البدوية. وعلى الرغم من عدم تكافئ القوى فقد تمكن الشيخ علي بن خليفة من قيادة معارك باسلة أظهر خلالها قدرات عسكرية فائقة وبطولات حيّرت الضباط الفرنسيين الذين كانوا يقودون الحملة مما حدا بالمؤرخ الفرنسي “أندري مارتال” إلى القول في كتابه «حدود تونس الصحراوية الطرابلسية»: “ان فرسان الشيخ علي الأبطال قد وقفوا سدّا منيعا أمام الجيش الفرنسي بمدافعه وتجهيزه الحربي الكبير حيث اضطروه إلى القبوع في مواقعه والاحتماء بسفنه 15 يوما ولولا وصول المدد ونفاذ الذخيرة عن المجاهدين لكانت أحواز صفاقس مقبرة للفرنسيين ولانقلبت الآية لصالح الثورة في المعركة التي انتهت يوم 17جويلية 1881”.
- وبعد خسارته معركة صفاقس اضطر الشيخ علي إلى التوجه لمنطقة «ودران» جنوب شرق تونس حيث قام من هناك بتجديد اتصالاته ببقية جبهات المقاومة، كما قام بارسال حملة تكونت من خمسمائة فارس وألفين من المشاة ألحقت خسائر كبيرة بممتلكات الباي في العاصمة وعادت بألف رأس من الإبل دون ان تتمكن القوات الفرنسية من تتبعها.
- ثمّ خاض الشيخ علي بن خليفة معركة أخرى دامية من أجل فك الحصار المضروب على مدينة قابس، التي قامت القوات الفرنسية بعملية انزال كبير في مينائها واستمرت في قصف المدينة من البحر بالمدفعية لأيام طويلة، وأدّى ذلك إلى سقوط ما يزيد عن 50 شهيدا يوم 31 جويلية 1881 دفاعا عن مقر الشيخ المعروف ب «دار الفريك» الذي تم تدميره بالكامل.
- ورغم مرارة الهزيمة في صفاقس وقابس لم ييأس الشيخ علي بن خليفة وأصرّ على ان تواصل المقاومة غليانها بالاعتماد على ثبات المجاهدين وقدراتهم الذاتية… ففي منتصف أكتوبر 1881 تقدم الشيخ الثائر بقواته شمالا إلى أن وصل القيروان، لكنه اضطر في منتصف شهر نوفمبر 1881 إلى الزحف نحو بلدة «وذرف» الجنوبية، ليتخذها مقرا جديدا لقيادته العسكرية ويقود من خلالها آخر معارك الدفاع عن قابس وضواحيها وذلك قبل سقوطها بشكل نهائي في أيدي القوات الفرنسية.
- وإثر سقوط مدينة قابس انسحب «العجوز المتمرد» بصمت نحو ليبيا رافضا العيش يوما واحدا تحت سلطان القهر وتوفي في مثل هذا اليوم من سنة 1885، بالزاوية الغربية (على بعد 40 كلم من مدينة طرابلس) وكان يأمل في أن يأتيه المدد من الدولة العثمانية.
- إثر وفاته رجعت عائلته الى قابس، كما رجع أغلب المهاجرين الذين غادروا البلاد التونسية معه خصوصا بعد أن يئسوا من إعانة الدولة العثمانية.